أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والآباء الحاضرون جميعاً
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
أرحب بكم جميعاً: العلماء والمسؤولين... وسائر الحاضرين من إخوتي المؤمنين الكرماء الأعزاء كباراً وصغاراً، وأرحب أيضاً بالضيوف الأعزاء الذين فك الله "سبحانه وتعالى" أسرهم، وحضروا في هذا الاجتماع المبارك، وأرحب أيضاً ترحيباً خاصاً بالإخوة الذين كانوا مرابطين في مدينة الدريهمي، في كل مرحلة الحصار التي استمرت لأكثر من عامين، ثم فكَّ الله "سبحانه وتعالى" هذا الحصار، أرحب بكم جميعاً في هذا الحضور المبارك، وفي هذا الاجتماع المهم، ويعبِّر تنوع هذا الحضور الذي يشمل الجانب الرسمي، وحضر في هذا الجانب الرسمي الكثير من الإخوة المسؤولين البارزين في الدولة: من مجلس القضاء الأعلى، من مجلس الوزراء، من مجلس الشورى، أعضاء من مجلس النواب... من مختلف مؤسسات الدولة، وأيضاً على المستوى الشعبي، هذا الحضور وهذا الاجتماع المبارك الذي يقدِّم صورةً عن الانسجام الشعبي والرسمي، وعن التوجه الذي يشمل الجميع في إطار العمل لما فيه رضا الله "سبحانه وتعالى"، والاهتمام بالمناسبات الدينية المباركة الجامعة.
الهدف من هذا الاجتماع المبارك هو: افتتاح الفعاليات والأنشطة التحضيرية لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وشعبنا العزيز بكل فئاته ومكوناته التي تتجه هذا التوجه الإيماني، وبحكم هويته الإيمانية، يعطي اهتماماً متميزاً واستثنائياً لهذه المناسبة المباركة؛ ولذلك نفتتح في هذا اليوم الأنشطة التحضيرية لها، حتى نبذل- إن شاء الله- جميعاً من كل مواقعنا، ومن كل مستويات مسؤولياتنا، نبذل الجهد في الاستعداد لهذه المناسبة القادمة المباركة ذات الأهمية الكبيرة، والتي نجعل منها كشعبٍ يمني محطةً تربويةً، وتثقيفيةً، وتوعويةً، وتعبويةً كبيرةً، لها أهميتها وأثرها الكبير في واقع حياتنا، وفي تعزيز وترسيخ إيماننا، وفي مواجهة كل التحديات التي نتصدى لها.
من نعمة الله "سبحانه وتعالى"، ومن توفيقه الكبير: أن يهتم شعبنا اهتماماً متميزاً، وأن يكون في مقدِّمة شعوب هذه الأمة، وبأكثر من غيره من الشعوب، حتى ليمكننا أن نقول: أنه في الصدارة، وفي الموقع المتقدم في الاهتمام بهذه المناسبة المباركة، التي يعبِّر فيها عن حبه وولائه لرسول الله "صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله"، والتي أيضاً تتكثف فيها كمناسبة مهمة الأنشطة التثقيفية والتوعوية، التي ترسخ فينا جميعاً المحبة والولاء لرسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله"، وتعزز العلاقة الإيمانية التي ينبغي أن تكون دائماً في مسار ارتقاء، ومسار ازدياد، ومسارٍ تصاعدي، هذه العلاقة الإيمانية برسول الله "صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله".
من الجيد أن تكون هناك اهتمامات من الجميع: في كل مؤسسات الدولة، وعلى المستوى الشعبي على كل المستويات: في المساجد، في التجمعات، في المجالس، أنشطة متنوعة، وكذلك فعاليات متنوعة، كلها تتحدث عن رسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله"، عن نعمة الله الكبيرة به، عن علاقتنا الإيمانية به، وكيف ينبغي أن تكون؛ لأن هذا الموضوع هو من المواضيع الأساسية على المستوى الإيماني في التزامنا وانتمائنا الإيماني، ونحن يمن الإيمان، هويتنا إيمانية، وينبغي أن تكون اهتماماتنا لكل ما من شأنه أن يعزز الإيمان في أنفسنا، في قلوبنا، في مشاعرنا، في وجداننا، في سلوكنا، في اهتماماتنا، في التزاماتنا العملية، في مسيرة حياتنا بكلها، أن يكون اهتمامنا بهذا الجانب اهتماماً كبيراً، وهذه المسألة رئيسية وأساسية.
عندما نأتي إلى الحديث عن هذه المناسبة التي نعد لها، ونسعى للتحضير لها خلال هذه الأيام المباركة، ونسعى للاحتفاء بها، عندما نتحدث عن أهميتها من خلال موقعها الديني، ومن خلال الميزان والمعيار الديني والإيماني، نجد أنها من أعظم المناسبات؛ لأننا نتحدث فيها عن نعمة الله العظيمة الكبيرة، ورحمته للعالمين، عن رسوله، وخاتم أنبيائه، وسيد رسله محمد "صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله".
إنَّ الله "سبحانه وتعالى" قال في كتابه الكريم آيةً مهمةً عظيمةً مباركة- طالما نتلوها في مثل هذه المناسبات- هي قوله "جلَّ شأنه": {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: الآية58]، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}، فضل الله "سبحانه وتعالى" بكل ما فيه من خيرٍ وشرفٍ، بكل ما فيه من عزة، بكل ما يترتب عليه في واقع حياتنا، هذا الفضل من الله علينا هو يتصل بواقع حياتنا، في أنفسنا، يسمو بنا، نشرف بذلك، نعتز بذلك، نسمو بذلك، تتحقق لنا في واقع حياتنا من خلال هذا الفضل الإلهي أن نجسِّد القيم الإنسانية على أرقى مستوى، هذا الفضل له أثره في نفسية الإنسان، في مشاعره، في وعيه، في دوره في هذه الحياة، في مسيرته في هذه الحياة، فهو فضلٌ علينا نحن، أثره فينا نحن، تجلياته ونتائجه في واقع حياتنا نحن؛ إنما كيف نتفاعل مع هذا الفضل؟ كيف نتقبل هذا الفضل؟ كيف ندرك أهمية وعظمة هذا الفضل؟ فهذه النعمة الكبيرة مطبوعةٌ بهاذين الطابعين الأساسيين العظيمين المهمين: فضل، ورحمة، فضل بكل ما يعبِّر عنه من شرف، من سمو، من كرامة، من عزة، وأيضاً رحمة، بكل ما يترتب عليها من خلاصٍ لنا في هذه الحياة، خلاصٍ لنا من البؤس، من الشقاء، من الهوان، من الخزي، من الهلاك، من عذاب الله في الدنيا والآخرة، خلاص لنا من كل ما نحتاج فيه إلى رحمة الله "سبحانه وتعالى" لينقذنا، ليدفع عنا، ليدفع عنا الكثير من الشرور، الكثير من المصائب، الكثير من أسباب الهلاك والردى، فهي رحمة شاملة في الدنيا، ورحمة عظيمة مستقرها الأبدي والدائم في الآخرة، يعيد لنا الصلة بالله "سبحانه وتعالى" في رعايته الواسعة، والمفتوحة، والشاملة، والممتدة من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، الذي هو عالمٌ أبدي لا نهاية له، والذي فيه أرقى نعيم وهو الجنة، وأشد عذاب وهو النار.
فالله "جلَّ شأنه" عندما يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}؛ لأن كل ما يمكن، وأسمى ما يمكن، وأعظم ما يمكن، وأهم ما يمكن أن ينشده الإنسان من خيرٍ لنفسه، وصلاحٍ لنفسه، وفلاحٍ لنفسه، وسعادةٍ لنفسه، هو موجودٌ في هذا الفضل وفي هذه الرحمة، هو في متناولنا في هذا الفضل وفي هذه الرحمة، ومنهما نحصل عليه، أنت تريد لنفسك الخير، تريد لنفسك الفضل، السعادة، تريد لنفسك الرحمة، هذه هي الرحمة، يقدِّمها الله لك في رسوله الكريم، وفي الرسالة التي حمَّله الله إيَّاها، في الرسالة التي أوصلها هذا النبي، والتي خلاصتها الجامعة المصونة المحفوظة هي القرآن الكريم، واقترن به هذا النبي الكريم فجسَّده في أرض الواقع مشروعاً عملياً، وتحرك به، جسَّد أخلاقه، حمل روحيته، تحرك بمقتضى تعليماته وتوجيهاته في واقع الحياة؛ ليحدث أعظم وأهم تغيير في المسار الإنساني، ليعيد للإنسانية اعتبارها، وكرامتها، وقيمتها الإنسانية والأخلاقية، ليعيد لها صلتها بالله "سبحانه وتعالى" في الإطار التشريعي، في الإطار العملي، في إطار المنهج، في إطار مسيرة الحياة، وفي إطار دورها كأمة، وكبشر مستخلفين في هذه الحياة، فهنا نفرح، نفرح؛ لأننا نريد الرحمة لأنفسنا بدافع الفطرة، نريد الفضل، الإنسان بفطرته يتطلع للرحمة الإلهية بكل مضامينها ومجالاتها، وبكل ما تتصل به في واقع حياته، ويتطلع إلى الفضل الإلهي في كل امتداداته، فهنا الفضل، وهنا الرحمة؛ إنما علينا أن نتفاعل مع هذا الفضل إيجاباً، مع هذه الرحمة إيجاباً، أن نقبل إليها، أن نستوعبها، أن نتصل بها، نتصل بها كل أشكال الاتصال: ثقافياً، فكرياً، عملياً، روحياً، وحينها سنجد كيف ستصنع الأثر العظيم، والتحولات الكبيرة الإيجابية والعظيمة في واقع حياتنا؛ لأن الله "سبحانه وتعالى" عندما يعرض علينا رحمته، عندما يقدِّم إلينا هذا الفضل، ويقدِّم إلينا هذه الرحمة، فهو قد أتمَّ النعمة، وأكمل الحجة، بقيت المسؤولية علينا نحن كيف نتعامل مع هذا الفضل؟ كيف نتفاعل مع هذه الرحمة؟ بقدر ما نتفاعل؛ بقدر ما نرى النتائج تتجسد في واقع حياتنا، وتتحقق في مسيرة حياتنا وفي واقع حياتنا، هذه الرحمة هي لنا نحن كبشر في واقع حياتنا، ليست مسألةً هناك بعيدة، بل إنها هنا، وهي أيضاً- كما قلنا- للعالم الأبدي القادم، الذي هو عالم الآخرة أيضاً.
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، عندما نستوعب وندرك جيداً أهمية هذه النعمة العظيمة من الله، وما يترتب عليها في واقع حياتنا، وأنها صلةٌ لنا بالله "سبحانه وتعالى"، نحظى من خلالها بمعونته، نحظى من خلالها بالخير من عنده، برعايته الشاملة والواسعة، بتوفيقاته، بألطافه العظيمة، ونحظى بنصره، ونحظى بتأييده، نحظى بكل ما ننشده من الفلاح، عندما نستوعب وندرك عِظَم هذه النعمة؛ سنفرح، سنفرح من أعماق قلوبنا، من أعماق أنفسنا؛ لأن فرحنا- أيُّها الإخوة- بهذه النعمة، بهذه الرحمة، بهذا الفضل، ونحن في أمسِّ الحاجة إلى رحمة الله "سبحانه وتعالى" في كل واقع حياتنا، في كل شؤون حياتنا، في كل مجالات حياتنا نحتاج إلى رحمة الله "سبحانه وتعالى"، ونحتاج إلى فضله. عندما نستوعب وندرك هذه الرحمة وهذا الفضل؛ سنفرح من أعماق أنفسنا، ثم نعبِّر عن هذا الفرح في واقعنا، بكل ما يجسِّده هذا الفرح، فنرى في هدي الله "سبحانه وتعالى"، في رسوله، وحركة رسوله، وما قدَّمه رسوله "صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله" أنه الخير، أنه الصلاح، أنه الفلاح، أنه الذي به نسعد، نفوز، نفلح، نعتز، نكرم، أنه الذي به تصلح حياتنا، ويستقيم شأننا، نتفاعل مع ذلك بالفرح، بإدراك أنه نعمة، بإدراك أنَّ كل تلك التوجيهات الإلهية، وأنَّ هذا المنهج العظيم الذي أتانا به رسول الله "صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله" مبلِّغاً عن الله، وكان هو القدوة في تجسيد هذا المنهج، وفي الالتزام بهذا المنهج، وفي العمل بهذا المنهج، وقدَّم التجربة العملية الراقية العظيمة الناجحة التي أحدثت تغييراً كبيراً في واقع الحياة، ندرك أنَّ هذه نعمة فنسعد بها، نبتهج بها، تؤسس هذه لعلاقة مع الله "سبحانه وتعالى" من موقع التعامل مع المنعم العظيم، مع الله ربنا الكريم، ثم نعبِّر عن هذا الفرح أيضاً في ابتهاجاتنا، في مناسباتنا، في فعالياتنا، ونتوجه إلى الله "سبحانه وتعالى" بالشكر، ونسأله أن يوفِّقنا للشكر.
تعليقات
إرسال تعليق